أكد المحلل الإسرائيلي حاييم ليفينسون في مقال له بصحيفة هآرتس أن الحرب على غزة تقترب من نهايتها دون أن تحقق إسرائيل نصرًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن حركة حماس خرجت من الصراع أكثر تماسُكًا بعدما تمكنت من تحرير الأسرى الفلسطينيين وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العالمي.
وأوضح ليفينسون أن حماس استطاعت الحفاظ على بنيتها التنظيمية وقيادتها السياسية داخل القطاع حتى الأيام الأخيرة من الحرب، وهو ما يُعد إخفاقًا واضحًا لتل أبيب في تحقيق أهدافها المعلنة.

ولفت المحلل إلى صمود أفراد الحركة الذين لم ينشق منهم أحد أو يحاول إنشاء منظمة منافسة أو التفاوض بشكل مستقل على الاستسلام أو بيع الأسرى الإسرائيليين مقابل المال، وهو ما يدل على صلابة بنية حماس التنظيمية وقدرتها على البقاء رغم الحصار والدمار.

وأكد أن حركة حماس ستظل فاعلا مؤثرا في مستقبل القطاع، مشيرا إلى أن التهديدات التي تواجهها من المليشيات الموالية لإسرائيل داخل غزة ضئيلة، ومن المرجح أن تتلاشى هذه المجموعات بمجرد توقف الجيش الإسرائيلي عن حمايتها.

 

نجاح حماس والسنوار

وأشار الكاتب إلى أن حماس خرجت من الحرب بإنجازين رئيسيين، أولهما إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية بعد أن سعى نتنياهو طوال فترة رئاسته للحكومة إلى طمسها من خلال التطبيع مع دول عربية وتهميش الفلسطينيين سياسيا والعمل على تقسيمهم وعزلهم دوليا.

وفي هذا الصدد، أشاد المحلل بفهم يحيى السنوار العميق للمشهد الدولي، ففي حين أصر نتنياهو على أن "إقامة الدولة الفلسطينية تعد مكافأة للإرهاب" تمكن رئيس حماس السابق منذ البداية من قراءة المزاج الغربي وفهم المشهد الدولي بشكل أفضل.

ونجح السنوار -عبر هجوم 7 أكتوبر 2023 وتبعاته- في إيصال معاناة غزة إلى الملايين حول العالم، واستطاع استمالة شعوب بأكملها إلى صف الفلسطينيين، مما أعاد ملف إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى صدارة المبادرات السياسية، وفق التحليل.

وقارن الكاتب ذلك بموقف نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية الذي أصبحت إسرائيل تحت حكمه "محاصرة دبلوماسيا" في أوروبا الغربية، وتراجعت صورتها كـ"دولة ضحية".

 

شرعية الحركة متماسكة

وأضاف ليفينسون أن الإنجاز الثاني لحماس يتمثل في إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وهو إنجاز يكشف في الوقت نفسه ضعف السلطة الفلسطينية وعجزها عن تحقيق ما يريده الكثير من الفلسطينيين على الرغم من تعاونها الأمني الكامل مع إسرائيل.

وأوضح المحلل أن حماس استطاعت عبر الصفقة الأخيرة أن تؤكد للفلسطينيين والعرب أنها -وليس السلطة- الطرف القادر على "إعادة الأسرى إلى بيوتهم" وتحقيق مطالب الشعب، مما يعزز مكانتها كحركة مقاومة ويمنحها شرعية كبيرة رغم التكلفة البشرية الباهظة للحرب.

ويرى الكاتب أن نجاح حماس المرتقب في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من أصحاب الأحكام الطويلة يعد رسالة خطيرة لكل مقاوم "اهجم، وحتى لو صدر بحقك 100 حكم مؤبد فسنخرجك".

 

وسيط لا غنى عنه

ووفق تحليل ليفينسون، فإن المستفيد الأكبر من الحرب قطر التي عززت مكانتها وسيطا لا غنى عنه، وأصبحت قوة عالمية مهمة.

وعلق الكاتب بتهكم أنه "يمكن للإسرائيليين تكرار تهمة أن قطر تدعم الإرهاب ألف مرة، ولكن في عالم الواقعية السياسية لا أحد يهتم".

وأشار إلى أن القطريين استطاعوا تحقيق رؤية وضعوها لأنفسهم قبل 40 عاما، لتصبح البلاد قوة عالمية في الرياضة والتعليم والاستثمار والتحالفات الدبلوماسية، كما أنها من بين الدول القليلة التي تملك اتصالا مباشرا بالقيادة الأميركية، مما يمنحها دورا مركزيا في جميع النقاشات بشأن غزة.

أما إسرائيل -يتابع الكاتب- فقد فشلت -رغم تفوقها العسكري- في تحويل إنجازاتها الميدانية إلى مكاسب سياسية، لأن نظامها السياسي منقسم وغير قادر على اتخاذ قرارات إستراتيجية.

وعلى عكس نمو قطر -يتابع التحليل- فإن إسرائيل عالقة في المكان نفسه الذي كانت فيه قبل 52 عاما، ولا تزال مجرد "قرية صغيرة تمتلك سلاح جو"، وفق وصف قائد سلاح الجو الإسرائيلي في عام 1973 بيني بيلد.

وخلص الكاتب إلى أن إنجازات إسرائيل لا تتجاوز ما يمكن للقوة المدفعية تحقيقه، وأن التفوق العسكري لا يكفي لحسم صراع مع خصم غير تقليدي مثل حماس، وأن المؤسسة العسكرية وقعت في أخطاء فادحة ناجمة عن الغطرسة وسوء الاستعداد، ولم تحقق بذلك نصرها المرجو.